تعتبر أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد وتحوّله إلى وباء عالمي الخبر الأهم ومصدر القلق الأول على مستوى العالم ككل، حيث اجتاح الغالبية العظمى من دول العالم مع عدد إصابات ووفيات مخيف جدًا، وبالطبع هذا الأمر استدعى استنفار جميع الجهود العالمية على كافة المستويات والاختصاصات للخروج بحلول وتطبيقات وأدوات تحد من انتشار وتفشي الفيروس حتى يتم السيطرة عليه وعلاجه.
ولعل أحد أهم الحلول والاقتراحات التي ظهرت هي موضوع مراقبة وتعقب مواقع انتشار الفيروس والمصابين به وتحركاتهم، وذلك باستخدام المعلومات الشخصية الموجودة على هواتفهم المحمولة وتطبيقاتهم الموجودة في الهاتف كنظام تحديد الموقع أو تطبيقات التواصل الاجتماعي أو حتى شريحة الاتصال الموجودة في الهاتف، حيث يتم جمع هذه المعلومات عن المستخدم ومراقبته، وتحذير الأشخاص المحيطين به، وتحديد الأماكن التي قام بزيارتها والتي من المحتمل أنه نقل العدوى إليها.
وبالفعل قامت العديد من الدول بتطبيق هذه الإجراءات فعليًا، مثل كوريا الجنوبية والصين، والبعض الآخر يعمل على تقنيات مماثلة.
قد يبدو هذا الأمر عمليًا ومفيدًا للوهلة الأولى، لكنه يطرح مخاوف كبيرة وقلق الكثير من المستخدمين والأشخاص، لأن جمع مثل هذه المعلومات عن الأشخاص دون موافقتهم أو علمهم يعتبر خرقًا واضحًا لخصوصية الأفراد وحريتهم، ويطرح مشاكل تتعلق بأمن معلومات المستخدمين وإمكانية تسربها وإساءة استخدامها.
لماذا القلق والتخوف من جمع وتعقب معلومات المستخدمين؟
يطرح موضوع تعقب وجمع معلومات المستخدمين من قبل جهات حكومية كمسؤولي الصحة أو جهات خاصة مخاوف كثيرة متعلقة بخصوصية معلومات المستخدمين، حيث تعتبر هذه المعلومات ذات قيمة كبيرة ومؤثرة على الأفراد والمجتمع.
حيث أن وجود مؤسسة أو شركة حكومية أو خاصة قادرة على التخزين والوصول لمعلومات معظم المواطنين ومواقعهم وأماكن عملهم والأشخاص المحيطين بهم يجعل منها مؤسسة أو شركة مراقبة ورصد عملاقة تملك قاعدة معلومات ضخمة عن المستخدمين، وهنا تظهر المخاوف التي تتمحور حول كيفية استخدام هذه الجهات لهذه البيانات وأمانها لديهم، وتتلخص أبرز المخاوف فيما يلي:
تعقب المواطنين ومعرفة تحركاتهم بدقة
قد لا يقتصر موضوع تعقب المستخدمين وبيانات المواقع الخاصة بهم على المصابين بالفيروس فقط، بل من الممكن أن يتعدّى ذلك وأن تقوم الجهات التي تملك الوصول للمعلومات بشكل مخالف بتعقّب المواطنين جميعهم أو مستخدم بعينه، بحيث تكشف التحرّكات والنشاطات اليومية والمحيط الاجتماعي الخاص بالأشخاص دون علمهم وموافقتهم، ومن ثم تسرب هذه المعلومات أو تستخدمها للسيطرة والتأثير على المستخدمين أو ملاحقتهم وتهديد أمنهم وسلامتهم بل وحتى ابتزازهم في قضايا معينة تتعلق بهم.
عدم الوثوق بالجهة المالكة لهذه البيانات
وجود هذا الكم الهائل والمهم جدًا من المعلومات الخاصة بالمستخدمين يجعل الجهة التي تحتفظ بهذه المعلومات هدفًا للقرصنة والاختراق، حيث ستسعى العديد من الجهات داخل البلد نفسه أو حتى خارجه للحصول على أكبر قدر ممكن من هذه المعلومات بأي طريقة ممكنة للاستفادة منها بأشياء قد تكون ضارة ومؤذية، كالحصول على ارقام حسابات بنكية ومواقع شخصيات مهمة وغيرها.
وبالتالي فإن خطر حدوث أي خرق أو تسرب لهذه المعلومات من الجهات التي تقوم بحفظها يعتبر هاجسًا مخيفًا للجميع.
هل يجب علينا التنازل عن بعض الأولويات في زمن الأزمات؟
يعتبر العديد من الخبراء التقنيين وحتى المستخدمين العاديين موضوع تخزين وتجميع ورصد مواقع المستخدمين لتعقب الإصابات وعزلها وتجنب انتشار الفيروس شرًا لا بد منه.
حيث أننا نعتبر في أوضاع استثنائية وليست عادية، وفي سباق دائم مع الفيروس الذي ينتشر بشكل أسرع من قدرة الدول والقطاع الصحي على كشفه وإجراء الفحوص الخاصة به، لذلك يعتبر التعقب ورصد مواقع تواجد المصابين والأشخاص المحتمل إصاباتهم وعزلهم خطوة متقدمة وتسابق الزمن وتساهم في كبح الانتشار.
وأيضًا هناك رأي أخر يقول بأننا ضحينا أساسًا بخصوصيتنا بشكل مسبق عند موافقتنا على استعمال وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى، حيث تستخدم الجهات المالكة لهذه التطبيقات معلومات المستخدمين وتوظفها لعرض الإعلانات عليهم وبيع المنتجات.
لذا قد يبدو من المنطقي في ظل الظروف الراهنة التخلي عن بعض الخصوصية كنوع من التضحية الفردية لإنقاذ المجتمع ككل، حيث أن هذه الخطوة قد تكون منافعها أكبر من ضررها حاليًا.